آخر المقالات

اقتباسات من كتاب وحي القلم للرافعي

مقتطفات من كتاب وحي القلم لمصطفى صادق الرافعي

كتاب وحي القلم

رحلة طويلة وجميلة نأخذكم فيها مع كتاب غني ومشوّق ..  يتميّز عن الكتب الأخرى  بروعة التصوير ودقّة التعبير، كتاب يوحي بالبساطة للوهلة الأولى ثمّ يتدرّج إلى درجة من التعقيد الجميل، باختصار هو حياتك بعيون الكاتب الفذّ.

أترككم مع مقتطفات راقت لي .. من كتاب "من وحي القلم لمصطفى صادق الرافعي" 

'جاء يوم العيد'

          جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمرّ أكثر من يوم. زمنٌ قصير ظريف ضاحكٌ، تفرضه الأديان على النّاس، ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعيٌّ في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.

يوم تعمّ فيه النّاسَ ألفاظُ الدّعاء والتهنئة مرتفعة بقوّة إلهية فوق منازعات الحياة.

       " ذلك اليوم الذي ينظرُ فيه الإنسان إلى نفسهِ نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرةً تبصرُ الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى النّاس نظرةً ترى الصّداقة. وما أسماها نظرةً تكشفُ للإنسان أنّ الكلَّ جمالُهُ في الكلِّ".

       على هؤلاء الأطفال السّعداء الذين لا يعرفون قياسا للزّمن إلّا بالسّرور، وكلٌّ منهم ملِكٌ في مملكة، وظرفهُم هو أمرُهم المَلَكي. ثيابٌ جديدةٌ يلبسونها، فيكونون هم أنفسهُمْ ثوبًا جديدًا.

     قانعون يكتفون بالتّمرة، ولا يحاولون اقتلاع الشّجرة التي تَحمِلُها، ويعرفُون كُنْهَ الحقيقة وهي أنّ العِبرَة بروح النّعمة لا بمقدارها.


  '' فصل الربيع '' 

        في الرّبيع تظهر ألوان الأرضِ على الأرض، وتظهرُ ألوان النّفس على النّفس. ولا ينفَذُ الهواء إلى الصّدور فقط، ولكن إلى عواطفها كذلك، ويكون للشّمس حرارتان إحداهما في الدّم.

        وينظر الشّاب، فتظهر له الأرض شابّة، ويشعر أنّه موجود في معاني الذّات أكثر ممّا هو موجود في معاني العالم، وتُخرِجُ له أشعّة الشّمس ربيعًا، وأشعّة قلبِه ربيعًا آخر. ولا تنسى الحياة عَجائِزها، فربيعهم ضوء الشّمس.

      ما أجمل الأرض على حاشية الأزرقين: البحر والسّماء، يكاد الجالسُ هنا يظنّ نفسه مرسوما في صورة إلهية.

      إنّنا لن نُدركَ روعة الجمال في الطّبيعة إلا إذا كانت النّفس قريبة من طفولتها، ومرح الطفولة، ولعِبها، وهذيانها.

      في جمال النّفس ترى الجمال ضرورة من ضرورات الخَلِيقة، ويكأنّ الله أمر العالم ألّا يعبس للقلب المبتسم.

في جمال النّفس يكون كلّ شيءٍ جميلا، إذْ تُلقي النّفس عليه من ألوانها، فتنقلب الدّار الصّغيرة قصرًا لأنّها في سعَة النّفس لا في مساحتها هي، وتعْرفُ لِنُورِ النّهار عذوبة كعذوبة الماء على الظّمأ، ويظهر اللّيلُ كأنّه مَعرضُ جواهرٍ أُقيم للحُور العِين في السّموات، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنّه جنّة سابحة في الهواء.

ماذا فعلت الحرّية بالتقاليد

وأمّا الحبّ فكان حُبًّا تتعرّف به الرّجولة إلى الأنوثة في قيود وشروط، فلمّا صار حرًّا بينهما انقلب حيلةً تغترّ بها إحداهما الأخرى، ومتى صار الأمر إلى قانون الحيلة، فقد خرج من قانون الشرف، ويرجع هذا الشّرف كما نراه، ليس إلّا كلمة يُحتال بها.

وانظر ـ بعيشك ـ ما فعلت الحرية بكلمة "التقاليد"، وكيف أصبحت هذه الكلمة السامية من مبذوء الكلام ومكروهه، حتّى صارت غير طبيعية في هذه الحضارة، ثمّ كيف أحالتها فجعلتها في هذا العصر أشهر كلمة في الألسنة، يُتَهَكّمُ بها على الدّين والشّرف وقانون العُرْف الاجتماعي في خوف المعرّة والدّنيئة والتصاون من الرّذائل والمبالاة بالفضائل، فكلّ ذلك " تقاليد".

حتّى ليكادُ الأب والأمّ يكونان عند أكثر المتعلّمات من " التقاليد" أهي كلمة ابتدعتها الحرية أم أبدعها جهل العصر وحماقته وفجوره وإلحاده؟

"تقاليد" فما هي المرأة دون تقاليد؟ إنّها البلاد الجميلة بغير جيش، إنّها الكنزُ المخبوء معرّضا لأعين اللّصوص، تحوطه الغفلة لا المراقبة، إنّ معنى كلمة "كنز" متى تُرِكت له الحريّة وأغفل من تقاليد الحراسة، أَوجَدَت حرّيته هذه بنفسها معنى كلمة "لص".

المرأة والعِلم

قالت: لا، ولكن عقلُ المرأة هو عقلُ أنثى دائما، ودائما عقلُ أنثى، وفي رأسها دائما جوُّ قلبها، وجوُّ قلبها دائما في رأسها فإذا لم تكن مدرستها متمّمة لدارها وما في دارها تمّمت فيها الشّارع وما في الشّارع. 

العلم للمرأة، ولكن بشرط أن يكون الأب وهيبة الأب أمرا مقرّرا في العلم، والأخ وطاعة الأخ حقيقة من حقائق العلم، والزوج وسيادة الزّوج شيئًا ثابتًا في العلم، والمجتمع وزواجره الدّينية والاجتماعية قضايا لا ينسخها العلم.

بهذا وحده يكون النّساء في كلّ أمّة مصانع علميّة للفضيلة والكمال والإنسانية، ويبدأ تاريخ الطّفل بأسباب الرّجولة التّامة، لأنّه يبدأ من المرأة التّامة.

ربّما عابوا السموّ الأدبي بأنّه قليل، ولكن الخير كذلك، وبأنّه مخالِف، ولكن الحقّ كذلك وبأنّه محيّر، ولكن الحُسنَ كذلك، وبأنّه كثير التكاليف، ولكن الحرّية كذلك.

إن لم يكن البحرُ فلا تنتظر اللّؤلؤ، وإن لم يكن النّجم فلا تنتظر الشّعاع، وإن لم تكن شجرة الورد فلا تنتظر الورد، وإن لم يكن الكاتب البيانيّ فلا تنتظر الأدب.


لتحميل الكتاب برابط مباشر:


*****


اقتباسات من كتاب وحي القلم للرافعي


*****





ليست هناك تعليقات