آخر المقالات

اقتباسات من كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين

 


مقتطفات من كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين


كتاب فيض الخاطر

رحلة طويلة وجميلة نأخذكم فيها مع بعض الثمار الناضجة التي قطفناها لكم من بستان اسمه فيض الخاطر لصاحبه الكاتب الفذّ وصاحب الفكر الثاقب "أحمد أمين" .. 

يقول أحمد أمين في مقدمة كتابه 'فيض الخاطر':

" ثمّ لعلّي أقع على قرّاء مزاجهم من طبيعة مزاجي، وعقليتهم من جنس عقلي، وفنّهم من فنّي، يجدون فيها صورة من نفوسهم، وضربًا من ضروب تفكيرهم، فيشعرون بشيء من الفائدة في قراءتها، واللذّة في مطالعتها، فيزيدني ذلك غبطة ويملؤني سرورا"

  

أترككم مع مقتطفات راقت لي .. من كتاب "من فيض الخاطر لأحمد أمين


🌾 الرأي والعقيدة 🌾

         العقيدة حقٌّ مُشاع بين الناس على السواء، تجدُها في السذَّج، في الأوساط، وفي الفلاسفة ــ أما الرّأي فليس إلا للخاصة الذين يعرفون الدليل وأنواعه، والقياس وأشكاله، والناس يسيرون في الحياة بعقيدتهم أكثر ممّا يسيرون بآرائهم، والمؤمن يرى بعقيدته ما لا يرى الباحثُ برأيه، قد مُنِحَ المؤمن من الحواس الباطنة والذّوق ما قَصُرَ عن إدراكه القياسُ والدّليل.

        الرأيُ جثّةٌ هامدة لا حياة لها ما لم تَنْفُخ فيها العقيدة من روحها، والرّأي كهفٌ مظلمٌ لا يُنِيرُ حتى تُلْقِي عليه العقيدة من أشعّتها.


                                      🌾 بدون عنوان 🌾

       الحق أنّ العالمَ جميلٌ، فهذا نسيمٌ يعطِّرُ الجوَّ بعُرفِه، ويُحْيِي النّفوس برِقّتِه ولُطْفِه وهذا الربيع نزهة العين، ومنطق الطير، وهذه الحديقة عِقدٌ منظوم ووَشيٌ مرقوم.

       إن الحياة غنيّة باللّذائذ، وليست الآلامُ فيها إلا توابل تُهَيّءُ لاستِمراءِ اللذّة، وما الدّنيا إلا قيثارة يوقّعُ عليها شَجيُّ الألحان! أو مائدة شهيّة صُفِّفت عليها صفوف الألوان.

                                             

                                     🌾 الذّوق العام 🌾                           

       ثمّ إنّ ما كلّ ترى في الأمّة من كلّ مظاهر القبح عِلَّتُه ضَعف الذوق العام ... فإذا رأيت الأمّة لا تقدّس النظافة، ولا تشمئزّ من القذارة اشمئزازها من أبغض شيء وأقبحه فعلّل ذلك بضعف الذوق العام.
       وبعد، فشأن الذوق العام شأن الرّأي العام: كلاهما قابل للإصلاح والرقيّ، فالرّأي العام ضعيف وسخيف إذا صدر عن أمّة جاهلة، ويرقى الرّأي العام بانتشار الثقافة وتعميم التربية .
       وفي ظنّي أنّ الذين يبحثون في ترقية الفنون عامة من موسيقى ونقش وتصوير وأدب مخطئون كلّ الخطأ، لأنهم يحاولون أن يصلحوا النتائج من غير أن يصلحوا المقدّمات، فليس الفنّان في الأمّة إلا صدى لذوقها العام، فإذا صحّ الذّوق صحّ الفنّ وإلا فلا. ليس الفنّ والأدب من جنس النباتات التي تنمو من تلقاء نفسها، ولا هو ممّا يظهر مصادفة واتّفاقا، وإنّما هو نتيجة لازمة لعوامل طبيعية.

🌾 وحي البحر 🌾

        وقد تُؤنس الوحدة ما لا يُؤْنسُ الجمع، ولكن هذا لا يكون حتّى تتّخذ من نفسك صديقا، وليس ذلك بالأمر اليسير، فكثيرٌ من النّاس اتّخذوا من أنفسهم عدوّا، يتناولونها دائما بالنقد والتجريح، ويصغّرون ما تأتي به من أعمال، ويحقّرون ما يصدرون عنها من آراء، وينظرون إليها نظرة ذلّة وحقارة، فإذا هم وأنفسهم أعداء.
       مصيبةٌ كبرى ألّا يصادق الإنسان نفسه، لأنّ نفسك هي الشّيء الوحيد في العالم الذي لا تستطيع أن تهرب منه...فإذا كانت النّفس عدوّا كانت شرّ الأعداء، وأثقل الأعداء، لأنّها عدوّ مُلازِم أكثر من الغَريم الملازِم.

🌾 الدِّينُ الصِّناعي 🌾

       الدّين الصّناعي صناعة كصناعة النّجارة والحياكة، يمهرُ فيها الماهرُ بالحذق والمِران، أمّا الدّينُ الحقّ فروح وقلبٌ وعقيدة، ليس عملا ولكن يبعث على كلّ عملٍ جليل وكلّ عملٍ نبيل.
       الدّين الحقّ " إكسيرٌ" يَحِلُّ في الميّت فيحيا، وفي الضّغيف فيقوى، هو "حجر الفلاسفة" تضعه على النحاس والفضّة والرصاص فتكون ذهبًا.
        الدّين الصّناعي دين حركات وسكنات، وألفاظ، ولا شيء وراء ذلك، والدّين الحقّ دين روح وقلبٍ وحرارة.
      " لا إله إلا الله" في الدّين الصّناعي تتّفق مع إحناء الرّأس والخضوع لشهوة البدن، وتتّفق مع الذلّة والمسكنة. و" لا إله إلا الله " في الدين الحقّ لا تتّفقُ إلا مع الحقّ، " لا إله إلا الله " في الدين الصّناعي تذهب مع الرّيح، وفي الدين الحقّ تزلزل الجبال.
        هو العقيدة التي تأتي بالمعجزات فيقف العلمُ والتاريخ والفلسفة أمامها حائرة، بم تعلّل، وكيف تُشرح!
        هو التّرياق الذي تتعاطى منه قليلا فيذهب بكلّ سموم الحياة، هو الذي وجده كلّ من نجح، وهو الذّي فقدهُ كلّ من خاب، هو الذي يحلّ في الأوتارفتوقع وكانت قبلُ حبالا، وفي الصّوت فيُغنّى وكان قبلُ هواءً.
      الدين الحقّ يحملُ صاحبه على أن يحيا له ويحارب له، والدين الصّناعي يحملُ صاحبه على أن يحيا به ويتاجر به ويحتال به. 

                                  

🌾 أوقات الفراغ 🌾

      إنما أريد ألا تكون أوقات الفراغ طاغية على أوقات العمل، وألا تكون أوقات الفراغ هي صميم الحياة، وأوقات العمل على هامشها، بل أريد - أكثر من ذلك ـ أن تكون أوقات الفراغ خاضعة لحُكمِ العقل كأوقات العمل، فإنّنا في العمل نعملُ لِغاية، فيجب أن نصرف أوقات الفراغ لغاية كذلك، إما لفائدة صحية كالألعاب الرياضية، وإمّا للذّة نفسية كالمطالعات العلمية أو الأدبية.
       أمّا أن تكون الغاية هي قتلُ الوقت، فليست غاية مشروعة، لأنّ الوقت هو الحياة فقتلُ الوقت قتلٌ للحياة، فالذين يصرفون أوقاتهم في نردٍ أو شطرنجٍ لا يعملون لغاية يرتضيها العقل، وكذلك الذين يتسكّعون في المقاهي والأندية والطرقات لا يطلبون إلا قتلَ الوقتِ كأنّ الوقتَ عَدُوٌّ من أعدائهم.


🌾 التخريف 🌾

       والسعادة إنّما هي في السعي للغرض أكثر منها في الغرض نفسه، والطريق إلى الغاية هو السعادة لا الغاية، وإنّما يسعد الإنسان باستخدام قواه وملكاته لبلوغ غايته، فإذا بلغها تفتّحت له غاياتٌ جديدة، وبذل فيها جهودا جديدة، وظهرت في أثناء الطريق صعوبات استخرجت أقصى الجهد في التغلّب عليها، فشعر بلذّة الجُهد ولذّة الغلبة ولذّة اعْتِدَاده بشخصيته واستخدامه ملكاته واستكماله نفسه أكثر من لذّته بالغاية نفسها.

     ولكن من طبيعة الثقافة أنها ترقي العقل وترقي المشاعر، ومتى رقى العقل والمشاعر كان صاحبهما أقدر على اللذّة، كما يكون أكثر تعرّضا للألم، فمتى وجد في ظروف مناسبة كان أسعد من الجاهل، ومتى وجد في ظروف غير مناسبة كان أشقى من الجاهل. والمثقّف بعقله الراقي كثير التساؤل: ما الحياة؟ وما الغرض منها؟ وما قيمتي فيها؟ ثمّ هو واسع الطُّموح كثيرُ التَّطَلُّعِ لحالة خيرٍ من حالتهِ، وكلّما أدرك حالة تطلّع لما هو خير منها، ثمّ هو جيّد التقدير، يقدّر نفسه ويقدّر من حوله، فيرى من حقّه ومن حقّ ثقافته ومن حقّ سعة عقله، أن ينعم في الحياة المادية بأكثرِ مِمَّا ينعمُ الجاهل.


🌾 تضخّم الشخصية 🌾

       وهذا آخر قد جُنّ جنونا فرعيا في عقيدته بكفايته العقلية أو الفنّية أو الإدارية فهو يرى أنّه قُطبُ أهل العِلمِ وعميدهم وإِمامُهم، رأيه مَقطع الحقّ، ومَفصِل الصّواب، قد استبطن دخائل العِلم، واسْتَجْلى غوامِضه، وخصّه العِلم بأسراره، فلم يمنَحها إلّا له، ولم يَقفُها إلا عليه ... لولاه لغاب نجم العِلم وخَبأَ ضوءه، وهو وحده نصيرُ الحقّ، ورافِعُ راية الصّواب، ولولاه لعاش النّاس في ظلام دامس، وضلال مُطبق، وويلٌ للنّاس إذا هدأ صوته أو خرجت روحه.




*****

مقتطفات من كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين

*****
       

 
       




 






ليست هناك تعليقات